قبل بداية أي علاقة ثنائية - وخاصة إذا كنا على مشارف رابطة أبدية مثل الزواج - يجب أن يتضح في أذهان كل منا ما هو الهدف من هذا الرباط، وما هي أولوياتنا في هذه العلاقة، فالغريب في الأمر أنك تجد الناس تستطيع أن تحدد أهدافها وما ترغبه بالتحديد في وظيفة ما أو مشروع معين أو حتى عند الذهاب إلى السوق لقضاء بعض الأغراض، لكنها نادرًا ما تفكر في هدفها من الزواج، وقد لا يخطر ببالنا أصلًا أننا يجب أن يكون لنا أولويات يجب أن نعينها ونسعى لتحقيقها ونختار على أساسها الشخص المناسب الذي سيعيننا على تحقيق ما نريد والوصول إليه.
لهذا يجب أن يخلو كل منا بنفسه، وليكون واضحًا معها ليتعرف دون تشويش خارجي على ما يرغبه فعلًا من وراء هذه العلاقة، وبالطبع أفضل الأوقات لفعل هذا الأمر هو مرحلة ما قبل الزواج، بل ما قبل اختيار شريك الحياة أصلًا، لكن حتى بعد الزواج فإن الوقت لا زال صالحًا بعد لإعادة التفكير ورسم الخطوات التي يجب أن نسيرها لتحقيق أهدافنا من الزواج.
اسأل نفسك وبصراحة، ومن الأفضل أن تستعين بالكتابة أيضًا ترى ما الشيء الذي لا أرضى عنه بديلًا في هذه العلاقة؟ مثال:
- هل هو علاقة الحب والمودة التي لن يتوفر مثلها إلا بين الزوجين؟
- أم تحقيق صداقة قوية مع الطرف الآخر والتفاهم بيننا أهم عندي من الحب؟
- أم إنجاب أطفال؟ وكم عدد الأطفال اللذين أتمنى إنجابهم؟
- أم الفرار من الوحدة والعزوبية أو العنوسة؟
- أم التمتع بميزات يملكها الطرف الآخر كثراء أو مكانة اجتماعية أو السفر مثلا؟
- أم استقرار نفسي وتحقيق مساندة معنوية ومشاركة المواجهة مصاعب الحياة؟
- هل هذا يكفي عندي أم أهدف إلى مشاركة ومساندة مادية أيضًا؟
- أم للتحرر من قيود أسرتي الحالية والهرب من منزل لم أكن حرًا فيه؟
- أم أنك تتزوج هكذا بلا هدف لمجرد أن كل الناس تتزوج وأنك وصلت لسن تصلح فيه للزواج؟
- أم أنك تريد الزواج بهدف إعفاف نفسك ومساعدة لك على الحفاظ على السلوك القويم وغض البصر؟
- هل تهدف من وراء هذه الأسرة الجديدة إلى التقرب من الله بشكل من الأشكال؟
- هل تريد أن تختبر قدراتك على أن تكون سندًا ودعمًا لشريكك تعينه وتدفعه للأمام؟
مئات بل آلاف الأهداف والأولويات التي يمكن أن نكتبها فكل منا بداخله رغبات تميزه عن غيره وتجعل من أهدافه نوعًا فريدًا من الأهداف. ولكن ماذا بعد؟ أو لماذا أتعب نفسي وأعتصر ذهني لتحديد تلك الأولويات؟
والاجابة ببساطة لسببين:
أولًا: عندما أعـــرف مــاذا أريد من الزواج سيكون واضحًا أمامي ما الذي يجب أن أفعله للوصول إلى ما أريد دون الانتظار هباءً أن تأتي الأيام لي بما أريد دون تخطيط أو جهد أو عناء.
- فمثلا إذا كان هدفي هو أن أجد علاقة صداقة قوية وتحقيق تفاهم مشترك بيننا فيجب أن أعمل دائمًا على إيجاد اهتمامات مشتركة بيننا، وأن أهتم بما يهتم به الآخر وأن أحاوره بنفس أسلوبه وأن أدخله تدريجيًا إلى عالمي وإلى ما أريده أن يشاركني فيه ومهما حدث من ظروف ومهما كانت الصعوبات فلن أتوانى عن بذل الجهد في ذلك فهذا هو هدفي الأول من زواجي.
- كذلك سيكون من السذاجة ألا أفعل أي شيء من هذا ثم أنتظر أن تأتي الصداقة من تلقاء نفسها وإن لم تأت آسف على حظي وألوم الأيام على أنها لم تقذف إلى بما يسعدني كما أردت.
- وكذلك إذا كان هدفي تربية أولادي بشكل معين فسيكون هناك خطة معينة يجب أن أعدها لذلك بداية من النظام الغذائي الذي أريده لهم إلى المستوى التعليمي الذي أرغبه لهم إلى النشاطات المختلفة التي أود إشراكهم فيها، ويجب أن يكون لدي طريقة للتنسيق بين كل هذا، وقبل كل ذلك يجب أن يكون لدي شريك الحياة الذي سيساعدني في تحقيق ذلك.
وثانيًا: عندما أكون صريحًا مع نفسي في أولوياتي التي لن أتنازل عنها في هذه العلاقة لن أجعل الظروف تعكر على صفو حياتي إذا لم أنجح في تحقيق أهداف أخرى غير تلك الأولويات.
- فمثلا إذا كان هدفي الأول من هذا الزواج هو علاقة حب رائعة بيني وبين شريك حياتي فعندها لن تتقلب حياتي رأسًا على عقب ولن يختل ميزان عقلي إذا لم نستطع الإنجاب.
- كذلك إذا كان زواجي من الأصل من أجل الابتعاد عن الأسرة والمنزل الذي نشأت فيه ولم أشعر بالراحة فيه يوما فلن أسمح للألم أن يعتصرني إذا لم يكن زوجي ثريا، فهذا لم يكن هدفي من الأساس.
- وهكذا إذا كان لدى كل منا هدفه المعد سابقًا أو حتى الذي أعده بعد سنوات من زواجه فسيوفر على نفسه كثير من الحسرات على ما لم يستطع تحقيقه إذا كان ليس من أهدافه أصلا، كذلك سيختصر على نفسه الكثير من العثرات والتخبط لأنه أصبح عند خطة وخطوات معينة للوصول إلى ما يريد، فمن المستحيل أن تسير على الدرب الصحيح طالما أنك لا تعرف إلى أين تريد الذهاب.
- أما إن كنت تزوجت هكذا لأن الناس كلها تتزوج فقد تكون أسعد الناس حالا، فأنت لا هدف لك ولا تريد شيئًا، ولكن في نفس الوقت قد تكون أشقى الناس أيضًا لأنك ستنظر إلى كل ما حققه غيرك في زيجاتهم وتتمناه كله، وهذا طبعًا تحقيقه من رابع المستحيلات لأنه ما من زيجة إلا وينقصها شيء ما، كذلك ستشعر بعد فترة بالملل والضياع والخواء، فأنت لا تعرف لماذا ارتبطت بهذا الشخص ولا ماذا تحلم بتحقيقه معه ولا كيف يمكن لعلاقتكما أن تتطور، لهذا نصيحة مني مهما كان الأمر صعبًا حاول أن تحدد لك أولوية أو هدف من زواجك واسع جاهدًا لتحقيقه.
كل ما سبق الحديث عنه هو أولويات الزواج التي يجب أن يعرفها الشخص بنفسه وعن نفسه مسبقا قبل الزواج، وهي عبارة عن أهداف يمكن رسمها واختيارها والتخطيط لتحقيقها، لكن أود الحديث عن نوع آخر من الأولويات التي تخفي على كثر منا، والتي لا يمكن للشخص أن يتعرف عليها إلا بعد الاحتكاك فعلا بالآخر وإقامة علاقة معه ولن يستفيد الشخص بالتعرف فقط على أولوياته الخاصة بـه بـل لتحقيق الإفادة الحقيقية، يجب أن يسعى الشخص جاهدًا للتعرف على أولويات الآخر ومعرفة كيف يتعامل معها.